بسم الله الرحمن الرحيم
رحلة مع اسم الودود
الود هو الحب والحنان ويقول العلماء هو أنقى الحب واصفاه.. اعلى درجات الحب. وأصفى الحب الذي ليس فيه حقد. تستطيع أن تحب ولكن في نفس الوقت ربما تجد نفسك قد حقدت على هذا المحبوب، أما الله تبارك وتعالى فحاشا وكلا، فالله أصفى الحب وأنقاه. وقالوا ودود : الذي يتودد ويحب أولياءه وأنبياءه
وعباده الصالحين. وقالوا الودود الذي يحب وهنا العكس.. فهو الذي يحبه عباده الصالحين من ملئ قلوبهم، فيملأ حبه سمعهم وبصرهم وقلوبهم وجوارحهم ودمائهم وأرواحهم فيكون أحب اليهم أنفسهم وأولادهم وكل ما في الأرض، ولعل هذا المعنى هو ما أشار إليه حديث النبي صلى الله عليه وسلّم (من كان الله ورسوله أحب إليه من سواهما ذاق طعم الإيمان)
الودود يتودد لك بطريقتين :
1- الود العام :
ود لكل البشر مسلمهم وكافرهم، مؤمنهم وغير مؤمنهم، فاجرهم وعاصيهم.. لماذا؟ لأنه الودود سبحانه وتعالى، ثم ود خاص للمؤمنين.
أنظر إلى الكون وخلق الله في كونه، فكلما نظرت في صفحة الكون لوجدت دلائل تودد الله تبارك وتعالى إليك. الشمس، القمر، الأنهار، البحار، الورود... وكل هذه الأشياء لها وظائف لديمومة الحياة، ولكن نفس هذه الأشياء جعل الله فيها دلائل وده. كان من الممكن أن تكون هذه الأشياء جافة وصماء، ولكن انظر إلى الودود ماذا يفعل مع كل عباده. هل تذكر الشمس وقت العصر، والجلسات الطيبة..؟ أتذكر الشمس في لحظة الغروب وما تفعله في القلب ..؟ ما وقع في القلب هذا هو من الودود سبحانه وتعالى.
الليل له دوره.. ليرتاح الناس وينامون، ولكن انظر إلى الودود «والليل إذا سجى» (الضحى:2 ) فالليل يأتي بنسماته العليلة ويجلس الناس يتسامرون فيه، ويخلوا الحبيب بحبيبته في لحظات الليل الرقيقة الجميلة. كان من الممكن أن يكون ليلا مظلما موحشا.. ولكنه الودود سبحانه.
اسم الله الودود تجده أمامك دائما، وانظر إلى هذه الآية الكريمة «ألم تر إلى ربك كيف مدّ الظّل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا» (الفرقان:45)
بماذا يعبّر هذا الظل ..؟ يعبر الود من الله سبحانه وتعالى، فقد جعله من أجلك. وقد جاءت هذه الآية في سورة الفرقان، وسورة الفرقان تتحدث عن إيذاء الكافرين للنبي وكيف أنّ الله تبارك وتعالى ودود ورحيم به صلى الله عليه وسلّم وليعلّمه مثلما أنّ الكون ودود به، سيكون الله تعالى ودود به.
هناك ملايين الأنواع من الأسماك.. كم نوع منها يؤكل..؟قليل.. ولما الباقي؟ ! زينة ومناظر جميلة ! انظروا إلى الكون بطريقة جديدة.. الودود سبحانه وتعالى. الأزهار التي لاتؤكل.. لماذا؟ من أجل الشكل الجميل والرائحة ومن أجل صناعة العطور، فكلما رأيت وردة تذكرت الودود سبحانه وتعالى. هناك ملايين الأنواع من الطيور .. كم نوع منها يؤكل ..؟ قليل جدا.. والباقي ؟! من الودود سبحانه وتعالى. جعل الله لك مئات الأنواع من الفاكهة وبألوان مختلفة.
أعطيك مثل ولله المثل الأعلى. عندما تكون معزوما عند شخص في بيته ووضع لك على مائدة الطعام الأرز واللحم والماء.. ألم يكرمك؟ ألم يضيفك؟ نعم، لكن فرق كبير أن تذهب لبيت آخر وتجد فيه على مائدة الطعام كل ما لذ وطاب وعشرة أنواع من الفاكهة وورود وعطور. فالأول قد أطعمك وأما الثاني تودد إليك.
2- الود الخالص:
ليس للأنبياء فقط وليس للشهداء فقط، بل الود لعباده المؤمنين. واستمع إلى هذه الآية التي ستجعلك تذوب شوقا للودود سبحانه وتعالى.. « إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرّحمن ودّا» (مريم: 96). إن يؤمن وتعمل الصالحات سيكون لك ود خاص، وكلمة "سيجعل" هنا
ممتدة. سيجعل في الدنيا؟ نعم.. سيجعل في القبر؟ نعم.. سيجعل يوم القيامة؟ نعم.. سيجعل في الجنة؟ نعم؟.. الذين آمنوا وعملوا الصالحات ولم يقل الشهداء ولم يقل الأنبياء.
*********
من كتاب : باسمك نحيا
للدكتور عمرو خالد